سورة المائدة - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)}
{نَبَأَ ابني ءَادَمَ} هما قابيل وهابيل {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً} روي أن قابيل كان صاحب زرع فقرب أرذل زرعه، وكان هابيل: صاحب غنم فقرب أحسن كبش عنده، وكانت العادة حينئذ أن يقرب الإنسان قربانه إلى الله ويقوم يصلي، فإذا نزلت نار من السماء وأكلت القربان فذلك دليل على القبول وإلا فلا قبول، فنزلت النار فأخذت كبش هابيل ورفعته وتركت زرع قابيل فحسده قابيل فقتله {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} استدل بها المعتزلة وغيرهم على أن صاحب المعاصي لا يتقبل عمله، وتأولها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك.


{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}
{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ} الآية، قيل: معناها لئن بدأتني بالقتال لم أبدأك به، وقيل: إن بدأتني بالقتال لم أدافعك، ثم اختلف على هاذ القول هل تركه لدفاعه عن نفسه تورعاً وفضيلة؟ وهو الأظهر والأشهر، وكان واجباً عندهم أن لا يدافع أحد عن نفسه وهو قول مجاهد، وأما في شرعنا فيجوز دفع الإنسان عن نفسه بل يجب {إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} الإرادة هنا ليست بإرادة محبة وشهوة، وإنما هو تخيير في أهون الشرين كأنه قال: إن قتلتني، فذلك أحب إلي من أن أقتلك كما ورد في الأثر: «كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل»، وأما قوله بإثمي وإثمك فمعناه بإثم قتلي لك لو قتلتك، وبإثم قتلك لي، وإنما يحمل القاتل الإثمين، لأنه ظالم، فذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «المتسابان ما قالا» فهو على البادئ، وقيل: بإثمي؛ أي تحمل عني سائر ذنوبي، لأن الظالم تجعل عليه في القيامة ذنوب المظلوم، وبإثمك أي في قتلك لي، وفي غير ذلك من ذنوبك {وَذَلِكَ جَزَآءُ الظالمين} يحتمل أن يكون من كلام هابيل، أو استئنافاً من كلام الله تعالى {فَبَعَثَ الله غُرَاباً} الآية: روي أن غرابين اقتتلا حتى قتل أحدهما الآخر، ثم جعل القاتل يبحث عن التراب ويواري الميت، وقيل: بل كان غراباً واحداً يبحث ويلقي التراب على هابيل {سَوْءَةَ أَخِيهِ} أي عورته، زخصت بالذكر لأنها أحب بالستر من سائر الجسد، والضمير في أخيه عائد على ابن آدم، ويظهر من هذه القصة أن هابيل كان أ ول من دفن من بني آدم {قَالَ ياويلتا} أصله يا ويلتي، ثم أبدل من الياء ألف وفتحت التاء وكذلك يا آسفا. ويا حسرتا {فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} على ما وقع فيه من قتل أخيه، واختلف في قابيل هل كان كافراً أو عاصياً، والصحيح أنه لم يكن في تلك المدة كافراً لأنه قصد التقرب إلى الله بالقربان، وأصبح هنا وفي الموضع عبارة عن جميع الأوقات لا مختصة بالصباح.


{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)}
{مِنْ أَجْلِ ذلك} يتعلق بكتبنا، وقيل بالنادمين، وهو ضعيف {كَتَبْنَا على بني إسرائيل} أي فرضنا عليهم أو كتبناه في كتبهم {بِغَيْرِ نَفْسٍ} معناه من غير أن يقتل نفساً يجب عليه القصاص {أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض} يعني الفساد الذي يجب به القتل كالحرابة {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً} تمثيل؛ قاتل الواحد بقاتل الجميع يتصور من ثلاث جهات إحداها: القصاص، فإن القصاص في قاتل الواحد والجميع سواء. الثانية: انتهاك الحرمة والإقدام على العصيان، والثالثة: الإثم والعذاب الأخروي. قال مجاهد: وعد الله قاتل النفس بجهنم والخلود فيها، والغضب واللعنة والعذاب العظيم، فلو قتل جميع الناس لم يزد على ذلك، وهذا الوجه هو الأظهر؛ لأن القصد بالآية: تعظيم قتل النفس والتشديد فيه لينزجر الناس عنه، وكذلك الثواب في إحيائها؛ كثواب إحياء الجميع لتعظيم الأمر والترغيب فيه. وإحياؤها: هو إنقاذها من الموت؛ كإنقاذ الحريق أو الغريق وشبه ذلك. وقيل: بترك قتلها، وقيل: بالعفو إذ وجب القصاص {وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ} الضمير لبني إسرائيل. والمعنى تقبيح أفعالهم، وفي ذلك إشارة إلى ما هموا به من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9